إذا نحينا جانباً رؤانا المختلفة حول من يتحمل مسئولية ما يجرى في شارع مجلس الوزراء وما جرى ابتداءً من فض اعتصام التحرير يوم 25 فبراير الذي صدر إثره البيان العسكري الشهير بعبارة «رصيدنا يسمح» مروراً بأحداث مسرح البالون وماسبيرو ثم شارع محمد محمود، وبغض النظر عن كل ما قيل ويقال عن هذه الأزمات، فمن الضروري أن يتفق جميع المصريين على أن التنكيل غير مقبول كممارسة أمنية، حتى لو كان المستهدف مجرماً.
لقد ثار المصريون في يناير 2011 من أجل الخلاص من الثقافة الأمنية القائمة على التنكيل بالمخالفين. سواءً كان المخالفون نشطاء سياسيين شرفاء أو متآمرين أو لصوصاً أو سفاحين. وطالما لم ينته استخدام الضرب والتعذيب والسباب والإهانة كسياسة أمنية أو كوسيلة لاستخلاص المعلومات أو حتى كعقوبة للمجرمين، فإن «الكرامة» كهدف من أهداف الثورة لم يتحقق بعد.
لن يتحقق هذا الهدف إن لم يستطع المواطن العادي فضلاً عن الأجهزة الأمنية التمييز بين القوة والعنف، وبين فرض سيادة القانون والقمع، وبين العقوبة والتنكيل. ولن يتحقق هذا الهدف إلى أن يكف المواطن العادي عن الشماتة في التنكيل بمن يخالفه ولو كان مجرماً، ولن يتحقق هذا الهدف إلى أن يميز المواطن المصري بين تجاوزات السلطة وتجاوزات المواطن لأن الأولى مؤشر على استبداد الطرف الأقوى، ولن يتحقق هدف «الكرامة» إلى أن يحزن المواطن المصري إذا رأى مواطناً -أياً كان- ينكل به أو يهان أو يعذب.
أما من يعتقد بأن مثل هذه الممارسات ضرورية من أجل فرض هيبة الدولة، فذلك وَهْم. إن هذه الممارسات لا تكرس إلا العداء والخوف، وقد رأينا ماذا حدث حين كسر المصريون حاجز الخوف واختُبِرت هيبة أجهزة الأمن، وكان الرسوب ملء السمع والبصر. فالأجدر بسلطة البلاد في المرحلة الانتقالية استيعاب الدرس قبل فوات الآوان، فهيبة الجيش ومكانته هي التي أصبحت على المحك، فهل ينتظر المجلس العسكري أن تنهار هيبة القوات المسلحة بأيدي القوات المسلحة نتيجة لنفس الممارسات التي كانت تمارسها الأجهزة الأمنية قبل ثورة 25 يناير. إن هيبة أي مؤسسة من مؤسسات الدولة لن تتحقق إلا بإعلاء قيمة كرامة المواطن واحترام القانون. ولو ظن أحد أن كرامة المواطن ثمناً مقبولاً لهيبة الدولة، فما قيمة دولة بمواطنين بلا كرامة، ثم من منا يرضى بأن تهدر كرامته، ومن منا يرضى ذلك لأهله وذويه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق