15 سبتمبر 2014

بين أفغانستان وقطر، ما يلفت النظر

migration3منذ ثلاث عشرة سنة طالبت الولايات المتحدة أفغانستان بتسليم أسامة بن لادن ليمثُل للمحاكمة في الولايات المتحدة على خلفية تفجيرات 11 سبتمبر. وقد ردت حكومة طالبان وقتها باقتراحين بديلين للمطلب الأمريكي: كان البديل الأول هو أن تقدم الولايات المتحدة أدلة على إدانة بن لادن ليحاكم على أساسها في أفغانستان، مع توفير  المجال للمدعين والمحامين الأمريكيين بالحضور إلى أفغانستان وممارسة دورهم في المرافعة أمام المحكمة الأفغانية. أما البديل الثاني فكان تقديمه إلى المحاكمة  في دولة مسلمة محايدة تقبل بها الولايات المتحدة، وذلك تجنباً لتسليم مسلم للمحاكمة في دولة غير مسلمة—ربما امتثالاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه».

على أي حال، رفضت الولايات المتحدة المقترحَين وصممت على تسليمه للولايات المتحدة وإلا فستتحمل أفغانستان النتائج. وهنا أخذ رجال حكومة طالبان يبحثون  عن مخرج يجنب  بلادهم ويلات الحرب وانهيار تجربة بناء الدولة الأفغانية الجديدة  التي توحدت واستقرت على أيديهم لأول مرة منذ تحرير البلاد من الاحتلال السوفيتي عام 1989. وكان المخرج هو أن يغادر بن لادن وتنظيمه أفغانستان فيرفع الحرج عن حكومة طالبان. لكن زعيم القاعدة كان يُعتبر في ذلك الوقت ضيفاً على أفغانستان وفي جوارها، فتحرج زعيم الطالبان، المُلا عمر، من مطالبته بمغادرة البلاد رغم رغبته في تجنيب شعبه الكارثة التي أصبحت وشيكة. لذا لجأ المُلا عمر إلى دعوة مجلس شورى علماء أفغانستان للتشاور وإصدار توصياتهم لمعالجة الأزمة؛ وبعد اجتماع مطوّل، أصدر مجلس الشورى توصية بمناشدة بن لادن بمغادرة البلاد طوعاً لا جبراً، وإعلان الجهاد في حالة وقوع هجوم أمريكي على أفغانستان.

وافق المُلا عمر على توصية مجلس الشورى، ورفضتها الإدارة الأمريكية التي صممت على تسليم بن لادن وقيادات القاعدة للولايات المتحدة. ثم اختفى بن لادن بحيث تعذّر الحصول على رد منه على مناشدة العلماء بمغادرة البلاد. وتوالت مواقف التصعيد الأمريكي وانسد أفق الحل السلمي -ربما عمداً- إلى أن شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها هجوماً على  أفغانستان وبدأت الحرب الأفغانية في أكتوبر 2001 ولم تزل حتى الآن لم تضع أوزارها.

كان هذا عام 2001 في  أفغانستان. أما اليوم، فقد استضافت دولة قطر بعض قيادات الإخوان المسلمين وغيرهم من مناهضي الثورة المضادة في مصر، ثم توالت أحداث في المنطقة جعلت الولايات المتحدة تشرع في إنشاء تحالف دولي وعربي لمحاربة تنظيم ما يسمى بدولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، الأمر الذي قد يكون  مقدمة لاستراتيجية أمريكية جديدة تستهدف الإسلاميين في المنطقة  بوجه عام، وذلك لو اعتبرنا  تصريحات بعض الشخصيات الأمريكية من خارج الإدارة الحالية مثل ديك تشيني، وزير الدفاع السابق، ودنيس روس، مستشار معهد واشنطن والمبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط.. وفي إطار تكوين هذا التحالف يبدو أن قطر تتعرض لضغوط تطالبها بالتخفف من عبء استضافة رموز الإخوان ومعارضي الانقلاب وإزالة العقبات التي تواجه علاقاتها بسائر  دول مجلس التعاون الخليجي. وجدير بالذكر أن ثلاثة من دول المجلس -هم السعودية والإمارات والبحرين- كانوا قد سحبوا سفرائهم من قطر إلى أن تستجيب لشروطهم بوقف  أنشطتها المزعومة ضد استقرار هذه الدول والامتناع عن دعم القوى المناهضة للثورات المضادة في دول الربيع العربي وتمويل المنظمات الإرهابية، حسب زعمهم. وذلك ضمن إجراءات أخرى حذر منها مجلس التعاون الخليجي تتضمن طرد قطر من عضوية المجلس.

وفي نفس الشأن كانت لجنة الشرق الأوسط بالكونغرس الأمريكي قد هددت «الدول الحليفة التي تدعم الإرهاب» بعقوبات اقتصادية إذا لم تتوقف عن الدعم المذكور. ولم يَغِب عن أعضاء اللجنة الإشارة إلى دولتين بالتحديد، وهما قطر وتركيا، ولا إلى دعمهما لحركة المقاومة الفلسطينية «حماس» المصنفة في الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، إلى جانب ذلك راحت بعض أصوات غربية وعربية تردد أن قطر تدعم تنظيم دولة الإسلام وتموله.

على خلفية هذه الضغوط والتهديدات ترددت الأنباء مؤخراً عن مطالبة قطر لسبعة من رموز الإخوان بمغادرة البلاد وتضاربت الأقوال حول ما إذا كان ذلك بناءً على إخطار حكومي رسمي لهم أم على رسائل ضمنية فهم منها هؤلاء أن وجودهم أصبح يشكل حرجاً على دولة قطر. المؤكد أنه لم يصدر بياناً رسمياً من الحكومة القطرية بهذا الشأن حتى الآن، ولكن الإعلان الرسمي جاء من بعض هذه القيادات إذ صرحوا بأنهم سينتقلون إلى دول  أخرى يستكملون فيها نشاطهم المناهض للثورة المضادة في مصر من أجل رفع الحرج عن دولة قطر، وقد أعربوا عن شكرهم للدور الذي أدته قطر في دعم الثورة المصرية والشعب المصري، كما أكدوا تفهمهم لموقفها.

لا شك أن الأيام والأحداث ستجلي المزيد من الحقائق وتبين ما إذا كنا بصدد تفاهمات أم إبعاد قصري، وسيكون المقياس تطور الموقف القطري في الأيام والأسابيع القادمة. ومما تجدر مراقبته على وجه الخصوص السياسة الإعلامية لشبكة الجزيرة. فإذا حافظت قطر على خطها الحالي، وكذلك لم تتغير توجهات شبكة الجزيرة، فهل سيجدي ابتعاد رموز الإخوان شيئاً ويرفع عن دولة قطر الحرج بالفعل، أم أننا سنشاهد في هذه الحالة تصعيداً أمريكياً وخليجياً ضدها حتى تعدل خطها؟

وبعد، فقد وجدت في التشابه بين هذا المشهد القطري اليوم  وذلك المشهد الأفغاني منذ ثلاث عشرة سنة ما يلفت النظر، وكما توجد تشابهات بين المشهدين  تستحق الفحص  فكذلك توجد تباينات هامة بينهما تستحق الاعتبار حتى تكون الصورة مكتملة.

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

جزاكم الله خيرا
كتابة السيرة الذاتية

ماهى يقول...

اذا كنت ترغب في الحصول على ديكور شقة باقل الاسعار وبنظام تقسيط مريح لذا فيمكن التواصل معنا ومع فريق عمل شركة ديكور
الخاصة بنا والتي تعمل على الوصول إلى كل ما يرضيك ويريحك