13 ديسمبر 2010

الانتخابات المصرية بين المقاطعة والمراقبة الأجنبية


ASSEMBLYL_1622

كان من المعلوم مسبقاً أن الحزب الحاكم ينوي أن يفعل بانتخابات مجلس الشعب ما فعل ليهيمن تماماً على الحياة النيابية في الفترة الحيوية القادمة وليقلص من حجم المعارضة، والإخوان بصفة خاصة. لكن حسابات قيادات الحزب الحاكم كانت خاطئة حين تفوق على نفسه –حرفياً- في الجولة الأولى إلى الدرجة التي لاح لهم فيها شبح برلمان هو أشبه باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي في عصر مضى. وكان رد فعل ذلك هو الخروج من الورطة بأساليب هي أجدر بموسوعة جينس منها بسجلات الممارسات السياسية. فما سمعنا من قبل ولا رأينا سلطة حاكمة تقوم بالتأثير على العملية الانتخابية وتزوير نتائجها في عدد من الدوائر لحساب المعارضة وضد مرشحيها. وذلك بالطبع حتى يتستر البرلمان الجديد ببعض وريقات التوت هي بضعة مقاعد برلمانية هزيلة لمعارضين ينجحون بفضل جهود الحزب الحاكم -ولأول مرة- على حساب سخط أعضاء الحزب نفسه الذين خسروا "مشروعهم الاستثماري" في تلك الدوائر. ومعلوم أن العمل النيابي عند البعض هو خدمة عامة وعند نواب الحزب الوطني مشروع استثماري، مما يفسر درجة العنف التي شوهدت في الدوائر التي اشتدت فيها المنافسة بين أعضاء الحزب الوطني نفسه .. لكن هذا موضوع آخر.

وتعكس ممارسات كلا الجولتين الأولى والثانية نية انفراد الحزب الحاكم وتسلطه التام والكامل على الحياة النيابية والسياسية في مصر دون ترك مجال لأي معارضة تثير ولو حتى بعض الزوابع تحت قبة المجلس المنعوت بالموقر. ويعتمد البعض على النتيجة النهائية والفجاجة التي أديرت بها العملية الانتخابية لإثبات صواب نصيحة الدكتور البرادعي ومن اتفق معه على ضرورة مقاطعة الانتخابات تحت الظروف الحالية ولمعاتبة الذي رفضوا فكرة المراقبة الأجنبية على الانتخابات من بين صفوف المعارضة. ويظن المعاتبون أن النتائج أثبتت رؤيتهم بوضوح حيث تحققت مخاوفهم في الحالتين. لكننا سنجد بشيء من النظر والتحليل أن الاستدلال خاطئ في كلا الحالتين رغم ما قد يبدو للبديهة.

أولاً: أما القول بأن ما حدث في الانتخابات أنصف موقف البرادعي الذي كان قد دعا إلى مقاطعة الانتخابات. فعلى العكس من ذلك. إن ما حدث إنما يدل بوضوح أكثر على انعزال الدكتور البرادعي عن حقيقة الأوضاع وعدم فهمه لأساليب الحراك السياسي الوطني. فدخول المعارضة الجولة الأولى لهذه الانتخابات -والإخوان على وجه الخصوص- هو الذي اضطر الحزب الحاكم إلى التوسع في التجاوزات الفجة التي كان الناشطون والرقابة الشعبية و”صحافة المواطنين” والمقاومة القانونية لها بالمرصاد. مما أدى إلى نتائج هامة لم تكن لتتحقق لو كان الحزب الحاكم حقق ما يريد بدون تحدٍ وبهدوء، ومن هذه النتائج:BALLOTS

  • تجاوز المشهد لأي ادعاءات ممكنة بالنزاهة والشفافية مما يحرم أي إجراءات تشريعية أو دستورية تترتب عليه مستقبلاً من الشرعية
  • توثيق لحجم وكيفية المخالفات يتضمن في كثير من الحالات أشخاص المخالفين ويجعل باب الملاحقة القضائية والمواجهة القانونية مفتوحاً مادام المجلس الجديد موجوداً
  • حدوث حراك شعبي وتفاعلات بشتى الأنواع بين أطياف المعارضة المختلفة والنشطاء السياسيين ومنظمات المجتمع المدني والشارع والرأي العام بما فيه الصحافة المواطنية الإلكترونية، مما يمثل جرعة منشطة ضرورية جداً لوعي المجتمع المصري ما كانت ستحدث لو مرت الانتخابات بهدوء كما كانت تمر انتخابات الاتحاد الاشتراكي في الماضي.

إذن فغياب هذه النتائج عن رؤية الدكتور البرادعي ومؤيديه حتى بعد الانتخابات يدل على قصور في فهم طبيعة النشاط السياسي الوطني كما ذكرت. وذلك بغض النظر عن أن البرادعي حين اختار الابتعاد عن البلاد في هذا الوقت الذي فضل أن يقضيه مبعوثاً للأمم المتحدة لحملة مواجهة مرض الإيدز في البرازيل إنما يدل على رؤية واهتمامات تسكن سحابة نائية أخرى تسبح في فلك يبعد كثيراً عن الاهتمامات التي يجدر أن تشغل من يحمل هم التغيير في مصر.

ثانياً: أما عن المراقبة الأجنبية، فهي تفتح أبواب التدخل والعبث بالمستقبل في أمور ستتجاوز الانتخابات فيما بعد. لقد أصبح الخارج يعبث بالفعل بقيمنا وثقافتنا من خلال أبواب كحقوق الإنسان وقضايا المرأة والأسرة والطفل و حرية الأديان وغيرها. وما جرى من تنازلات جراء التهاون إزاء نتائج مؤتمرات الإسكان وقرارات لجان بعض المنظمات الدولية من تلاعب بقوانيننا إنما هو نذر يسير إلى جانب ما يريدونه لنا، والمطلوب أن نوصد الأبواب في وجه هذا العبث لا فتح بوابات أوسع. وتدل التجربة أن مواربة باب للخارج يؤدي دائماً إلى فتح بوابات على مصراعيها، ومن أمثلة ذلك ما حدث في إندونيسيا وأدى إلى انفصال تيمور الشرقية وما يحدث في لبنان حول محكمة الحريري وحتى المملكة السعودية نفسها التي غيرت مناهج التربية الإسلامية وبدأت تغازل فعاليات تقارب الأديان وما يحدث في السودان وغيرها. كما أن لنا مثل في فلسطين يدل على أن وجود مراقبة أجنبية على الانتخابات لا ينفع على أي حال إن لم تسفر هذه الانتخابات عن نتائج ترضي الغرب.

إلى جانب ذلك كله، فإن لجوءنا لمراقبة أجنبية أو تحكيم دولي في أي شان داخلي أو عربي يولد بيننا الشعور بالدونية تجاه الخارج ويضفي على الغرب صفة الوصاية علينا وهما صفتان يشكلان معاً حالة مَرَضية نحتاج بشدة إلى أن نبرأ منها لا أن نعززها.

والحديث هنا لا يعتبر محيطنا العربي والإسلامي جزءاً من الخارج الذي نتحدث عنه. وإن كان هذا المحيط لا يملك الكثير مما يمكن أن يقدمه لنا في باب الشفافية، اللهم إلا بعض منظمات المجتمع المدني التي لو ساهمت فلن تلق تجاوباً عندنا أفضل مما تلقاه مثيلاتها المحلية. لكن رغم ذلك، علينا ألا نجعل إلحاح الحالة الآنية وضغوطها يجمل لنا فكرة استدعاء أدوات مساندة من الخارج مهما كانت الظروف.

* * *

ليست هناك تعليقات: