31 مارس 2011

الدولة المدنية

تختلط التعريفات أحياناً بين الدولة المدنية والدولة العلمانية والنظام الديمقراطي. والدولة المدنية يمكن أن تكون ديمقراطية أو غير ديمقراطية، علمانية أو غير علمانية. ويعتمد ذلك على التعريف الذي يقصده القائل. لذا فعلى من يؤيد أو يعارض فكرة الدولة المدنية أن يبين المفهوم المقصود بهذا المصطلح. والاستعراض التالي لمصطلح الدولة المدنية لا يمثل دراسة مستفيضة وإنما نتاج مسح لاستخدامات هذا المصطلح المختلفة:‏ civil-state

أصل المصطلح: أذكر في البداية أن مصطلح الدولة المدنية*‏ ليس شائعاً في المراجع الغربية التي وجدتها. لكن من بين الإشارات القليلة لهذا المصطلح وجدت أن المعنى الراجح فيها هو: "دولة يحتكم فيها المواطن إلى سلطة قانونية معترف بها للحصول على حقوقه". وفي المقابل إذن فإن الدولة غير المدنية هي التي يسعى فيها المواطن للحصول على حقوقه بنفسه أو يحتمي فيها بسطوة القبيلة أو المليشيا أو الكنيسة أو مثل ذلك. ولا تبدو ثمة علاقة لهذا التعريف الأصلي بما يدور حوله جدال الدولة المدنية في بلادنا اليوم. ولو كان هذا هو المفهوم المقصود، لما اختلف عليه أحد، فالكل يتطلع إلى إقامة دولة القانون. ‏

وقد وجدت مصدراً واحداً يعرف الدولة المدنية بأنها "كل أفراد المجتمع باستثناء أعضاء الهيئات العسكرية والدينية". ويبدو أن لفظ الدولة في هذا التعريف لا ينطبق على الدولة بمفهومها المعروف وإنما يسقط على أهالي دولة ما. وعلى ذلك فهذا المفهوم أيضاً يختلف عما يدور عليه الحوار في مصر.‏

العلاقة بالعلمانية: وقد اقتبست النخب السياسية في لبنان هذا المصطلح لترويج مشروع الدولة القوية والمواطنة في مقابل عزوة الطوائف والعشائر والمليشيات التي احتمى بها المواطن في ظروف انهيار الدولة اللبنانية. ولو أن هذه الحاجة لا ترتبط بطبيعة الدولة من حيث مرجعيتها الفكرية أو الدينية، إلا أن علمانية الدولة المدنية كان أمراً مقبولاً ضمناً لكافة الفئات تفرضه الحاجة لتجنب الصراع الطائفي حيث لا يوجد للمجتمع هوية دينية واحدة سائدة، فكانت علمانية الدولة هي الحل العملي الذي ارتضاه المجتمع هناك كأساس لتحقيق العيش المشترك. لذلك فالارتباط بين الدولة المدنية والعلمانية في لبنان ليس نابعاً من أصل مفهوم الدولة المدنية وإنما ناتج عن خصوصيات المجتمع اللبناني.‏

الحالة المصرية: اقتبس جانب من النخب المثقفة في مصر هذا المصطلح وطوعوه ليلائم خطاباً سياسياً يقدم فكرة الدولة العلمانية بصياغة لا تصادم الرأي العام، واشتد ترويج هذا المصطلح دون التصريح بفكرة العلمانية في كنف النظام السابق الذي كان يقوم بتقويض متدرج للمعالم الإسلامية للدولة، فاتفقت أهداف هذه النخب مع أهداف النظام في هذا الشق المحدد حتى مع التناقض بينها وبين النظام في مسائل أخرى هي محل إجماع مثل محاربة الفساد والتداول السلمي للسلطة وغير ذلك. ‏

المرجعية الإسلامية: وتبنى بعض أصحاب الفكر الإسلامي كالإخوان المسلمين نفس المصطلح، ربما لاحتواء الجدل وإبطال مفعول هذه الوسيلة لتمرير فكرة الدولة العلمانية المبطنة. فقدم هؤلاء صيغة للدولة المدنية على أساس أن الدولة الإسلامية هي في الأصل دولة مدنية نظام الحكم فيها مدني بمعنى أنه غير عسكري وغير ثيوقراطي. ودعاة هذا المفهوم يحتجون بأن الإسلام لا يعرف الثيوقراطية** ولا الكهنوت الكنسي أو نظام الملالي الشيعي، والعلماء في الإسلام بشر غير معصومين. وكذلك من معالم هذه الدولة المدنية المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. وذلك دون تحديد أو نفي مرجعية معينة لهذه الدولة، فكل مجتمع يختار المرجعية التي تناسبه ويعتمدها في نصوص الدستور التي يضعها لهذا الغرض. لذلك يمكن في ظل هذا المفهوم أن تكون الدولة مدنية إسلامية أو ذات مرجعية إسلامية لو ارتضى المواطنون بذلك وكرسوا له في دستور البلاد، وهو بالطبع ما يدعو إليه مؤيدو هذا التعريف من أصحاب التوجه الإسلامي، مما يضع التيار العلماني في موضع اختيار، فإما أن يقبل بالدولة المدنية الإسلامية أو ذات المرجعية الإسلامية، أو يدعو صراحة إلى مفهومه العلماني للدولة المدنية. فمن الصعب أن يطرح تيار سياسي مفهوماً واضحاً لمرجعية الدولة المدنية وتظل تيارات أخرى تطرح فكرة الدولة المدنية غير محددة المعالم.‏

_____

* Civil State

** (النظام الثيوقراطي توجد فيه سلطة دينية تمتلك تفويضاً إلهياً تخول بموجبه الملك أو الحاكم ليحكم باسم الإله ويصبح من يعارضه أو يعصيه مطروداً من رحمة الرب)‏

18 مارس 2011

أقول نعم وتلك أسبابي

الحمد لله. بعد سنين الاستبداد والاستخفاف بالمصريين الطيبين استرد الشعب المصري وطنه وكرامته بفضل الله، وها هو يذهب غداً ليختبر الحرية التي انتزعها ويمارس حقه المسترد في اختيار مسار بلاده. يوم غد هو السبت ١٩ مارس، اليوم الذي يصوت فيه أبناء مصر في أول استفتاء نزيه لا تُعرف نتيجته مسبقاً عرفته البلاد منذ ٢٣ يوليو ١٩٥٣، في هذا اليوم سنختبر معاً صندوق الاقتراع الجديد الذي سيكون طيباً حلواً إن شاء الله بمذاق المشاركة الإيجابية والنزاهة والشفافية وحرية الرأي واحترام الرأي الآخر والرضا بنتيجة الاستفتاء.

لقد عقدت العزم على التصويت بنعم لعدة أسباب أذكر بعضها هنا. وقبل التحدث عن التعديلات علينا أن نعي أولاً أهدافها. فالتعديلات الدستورية ليست وسيلة لترقيع دستور ١٩٧١ كما يعتقد بعضنا، وإنما هي آليات تعمل معا كجسر ينقلنا إلى وضع جديد لتحقيق الأهداف التالية:

17 مارس 2011

من إرهاصات الثورة إلى حقيقة الاختيار الجمعي

هل من أهل مصر من كان يظن في مطلع هذا العام أنه لن يمر على هذه الأرض الطيبة المثقلة بالهموم والشجون شهران إلا وقد زالت رؤوس الطغمة الغاصبة التي أفسدت في هذا الوطن واستباحت خيراته واستخفت بأبناءه فامتهنت كرامة الإنسان وحبست أحلامه وأحبطت أماله؟ بل من كان يظن أنه لن يحل الشهر الثالث من العام الجديد إلا وقد انشغل أهل مصر بالجدل والحوار حول التصويت في استفتاء نزيه مرتقب لم يشهد أكثرنا مثله في هذه البلاد من قبل؟ فالحمدلله الذين جعل في أبناء هذا الوطن من هب ثائراً على الظلم والفساد فانتفض معه سائر الوطن ثائراً، ثم جعل الثورة ماضية عارمة عاتية بالقدر الذي جعل رجال الجيش يرون بجلاء في أي جانب تكمن الشرعية التي تعاهدوا على حمايتها. فكانت الإرهاصات وكانت الثورة، ثم جاءت الحرية. حضرت الحرية وعاد معها غائب عزيز وذلك حق الاختيار. عاد للمواطن المصري حق الاختيار يجسد شعوره بأنه استعاد وطنه واسترد حق المشاركة في تقرير مصيره ومستقبل أبناءه.

ومع الاختيار حضرت أيضاً الحيرة. والآن وقد أوشك موعد الاستفتاء على الحلول، وهو السبت ١٩ مارس، يتعين على كل مواطن مصري أن يبني على ما جمع من معلومات وسمع من حوارات فيتوكل على ربه ويحزم أمره ويتخذ قراره إما بنعم وإما بلا على التعديلات الدستورية المقترحة. هذا ما فعلت وقد عقدت العزم على التصويت بنعم لوجه الله تعالى ولصالح الوطن، وذلك اعتقاداً مني بأن الخطوات المترتبة على هذه التعديلات هي الجسر الذي سيفضي بالبلاد إلى المرحلة التي نأمل جميعاً أن يسترد فيها الوطن عافيته والمواطن كرامته بما يهيء مناخاً سياسياً يعمل فيه الجميع على إعادة بناء دولة العدل والأمن فتعود إلى مصر نهضتها وتتبوأ مكانها الطبيعي بين الأمم، وليس ذلك على الله بعزيز.

يعلم الله وحده أي القرارين هو الأصوب، وإنما على كل منا أن يتدبر قراره بموضوعية وتجرد ما أمكنه ذلك. موضوعية تعينه على تجاوز الأشخاص والجماعات والعواطف إلى المعطيات والنتائج، وتجرد يعينه على تجاوز المكاسب الضيقة وعصبيات الانتماء إلى المصلحة العامة والرؤية الشاملة. لكننا مهما جاهدنا أنفسنا فسيعتري منهجنا بعض القصور وسيشوب حكمنا شيء من الهوى، وهنا تكمن أهمية مشاركة الجميع في عملية الاختيار حتى يعادل الصواب من جانب أحدنا القصور في جانب آخر، ولعل الله يوفقنا مجتمعين للوصول إلى المحصلة الأصلح لنا المعبرة عن اختيارنا الجمعي. ويترتب على هذه الحقيقة أن يحسن كل منا الظن بالآخر وإن خالفه الرأي، وأن يرضى كل منا بنتيجة الاستفتاء ولو جاءت مخالفة لصوته.

ومن سبيل المشاركة وتبادل الرأي فيما نراه خيراً لبلدنا سأتابع بمقال آخر إن شاء الله أعرض فيه الأسباب التي بنيت عليها الموافقة على التعديلات الدستورية مع استعراض الرأي المخالف.